responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 130
عِصْيَانًا لِأَنَّ الْمَقَامَ لَيْسَ مَقَامَ اجْتِهَادٍ، فَإِنَّ شَأْنَ الْحَرْبِ الطَّاعَةُ لِلْقَائِدِ مِنْ دُونِ تَأْوِيلٍ، أَوْ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ كَانَ بَعِيدًا فَلَمْ يُعْذَرُوا فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ تَأْوِيلًا لِإِرْضَاءِ حُبِّ الْمَالِ، فَلَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لِدَلِيلِ وُجُوبِ طَاعَةِ الرَّسُولِ.
وَإِنَّمَا قَالَ: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الصَّرْفَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، كَمَا كَانَ الْقَتْلُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَنَّ حِكْمَتَهُ الِابْتِلَاءُ، لِيَظْهَرَ لِلرَّسُولِ وَلِلنَّاسِ مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ فِي الِابْتِلَاءِ أَسْرَارًا عَظِيمَةً فِي الْمُحَاسَبَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَقَدْ أَجْمَلَ هَذَا الِابْتِلَاءَ هُنَا وَسَيُبَيِّنُهُ.
وَعَقَّبَ هَذَا الْمَلَامَ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ تَسْكِينًا لِخَوَاطِرِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ تَلَطُّفٌ مَعَهُمْ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَقْرِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْعَفْوِ عَلَى الْمَلَامِ فِي مَلَامِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التَّوْبَة: 43] ، فَتِلْكَ رُتْبَةٌ أَشْرَفُ مِنْ رُتْبَةِ تَعْقِيبِ الْمَلَامِ بِذِكْرِ الْعَفْوِ، وَفِيهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِمْ إِذْ
عَجَّلَ لَهُمُ الْإِعْلَامَ بِالْعَفْوِ لِكَيْلَا تَطِيرَ نُفُوسُهُمْ رَهْبَةً وَخَوْفًا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي تَذْيِيلِهِ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ تَأْكِيدُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَفْوٌ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّوْبَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يكون عفوا بعد مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ صَالِحَةً لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تسلب الْإِيمَان.
[153]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 153]
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست